تُجسِّد قناة أبو حماد–الزقازيق نموذجًا مهمًّا من شبكات الريّ في دلتا مصر، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ وطنٍ اعتمد منذ عصر الفراعنة على مياه نهر النيل in تنمية أراضيه الزراعية وضمان أمنه الغذائي. تمتد هذه القناة في قلب محافظة الشرقية، من منطقة أبو حماد غربًا وحتى مدينة الزقازيق مركز المحافظة شرقًا، لتغذّي آلاف الأفدنة المخصّصة لمحاصيل استراتيجية كالذرة والقمح والأرز والقطن والخضراوات. وفي هذا المقال المكوَّن من نحو 1500 كلمة، نسلِّط الضوء على تاريخ القناة ومسارها وجوانبها الهندسية والتقنية، إلى جانب آثارها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إضافةً إلى التحديات التي تواجهها وخطط التطوير المستقبلي، وننشر لكم مواعيد قطارات ابو حماد الزقازيق والعكس واسعار التذاكر 2025.

نشأت القناة وتأسيسها

الخلفية التاريخية: بعد ثورة يوليو 1952، شرعت الدولة المصرية في تحديث شبكة الريّ بناءً على خطة شاملة لتعظيم الاستفادة من موارد المياه. جاءت قناة أبو حماد–الزقازيق ضمن خطط المنطقة الوسطى لمدّ مياه الريّ إلى شرق الدلتا. بدأ العمل على المشروع عام 1958 م تحت إشراف وزارة الريِّ المصريّة، واكتمل حفر القناة الأساسية في منتصف الستينيّات، ثم تلا ذلك إنشاء منشآت التحكم والسيطرة.

الأهداف الرئيسة: هدفت القناة إلى تغطية رقعة زراعية تزيد على 75 ألف فدان، تقليص الاعتماد على تنمية شرق الدلتا الأحادية بالبيارات القديمة، وتقليل مشاكل الجفاف والتفاوت المكاني في الوصول إلى مياه الريّ. كما صُمِّمت لاستيعاب أعلى معدَّل من المياه في مواسم الفيضان لضمان استمرارية الإمداد بدون توقف.

مسار القناة ومحطاتها الرئيسية

تمتد قناة أبو حماد–الزقازيق على طول حوالي 30 كيلومترًا، تبدأ من رأس القناة عند محطة الضخّ الرئيسية في أبو حماد حيث تُضخُّ المياه من مصرف المحمودي أو نهر النيل عبر خط أنابيب رئيسي طولُه 2 كم، قبل أن تستقبل القناة دفعات يومية بقدرة تصل إلى 285 مليون متر مكعب سنويًّا.

يمرُّ مسار القناة بمحطات تحكم رئيسية وفرعية كل 5 كيلومترات تقريبًا، تشمل:

• محطة الضبط في أبو حماد: تضم بوّابات حديدية ومقياس منسوب لضبط كمية التدفق.
• محطة تفرّع الصوة: تنقل جزءًا من المياه إلى قناة ثانوية تغذّي أراضي الفقوس والزرقا.
• محطة مرصف الشرقية: تخدم القرى المحاذية وتزوّد أنظمة الرشّ الحديثة.
• محطة نقادة: نقطة رصد جودة المياه، حيث تُجرى فحوص دورية لشوائب التربة والرواسب.
• نهاية القناة في الزقازيق: مخرج القناة يقسم المياه بين مصارف المدينة والضواحي، إضافةً إلى محطات رفع ثانوية.

البنية الهندسية والتقنية

تمتاز القناة بعدد من الخصائص الهندسية:

• العرض والعمق: يتراوح عرض القناة بين 10 و15 مترًا بقعرٍ مُدَرَّج، وعمقٍ يصل حتى 3 أمتار لاستيعاب التصريف خلال الفيضانات.
• البوابات والتحكم: كل محطة تضم بوابات يدوية وهيدروليكية، ونظام تحكم مركزي يراقب مستويات المنسوب عبر حساسات ضغط وطفو.
• التنقيط والرشّ: تم إنشاء شبكات فرعية للرشّ الحديث (الري بالتنقيط)، تربط إلى مصارف فرعية تُقلل من الفاقد البخاري وتحسّن استخدام المياه.
• الصيانة الدورية: تجري هيئة الصرف الصحي صيانة سنوية تشمل تنظيف القناة من الطمي والرواسب عبر جرافات مائية، إضافةً إلى إصلاح شقوق الجوانب.

الأهمية الاقتصادية والزراعية

ترتبط قناة أبو حماد–الزقازيق ارتباطًا وثيقًا بالنشاط الزراعي في محافظة الشرقية، حيث تزوّد المياه ببنيتها الحيوية لأكثر من 70 ألف فدان موزعة على قرى الإدارات الزراعية في: منية النصر، الزقازيق، أبو حماد، مشتول السوق.

المحاصيل الرئيسية: تركز الغالبية العظمى من الأراضي على زراعة الذرة وفول الصويا والقمح في الدورة الشتوية، ثم الأرز والقطن في الدورة الصيفية، فضلًا عن الخضراوات مثل الطماطم والخيار والفلفل.

الإنتاجية: استفادت المحاصيل بشكل ملموس من الانتظام في الإمداد المائي، حيث ارتفع متوسط إنتاج القمح من 1.2 طن للفدان سنويًّا في الستينيات إلى 2.5 طن في العقد الأخير، كما ارتفعت إنتاجية الأرز بنسبة 30% مقارنة بأساليب الريّ التقليدية.

البعد الاجتماعي والتنمية الريفية

ليست القناة مجرّد ممر للمياه، بل هي شريان حياة للمجتمعات المحيطة:

• توفير فرص العمل: تدرّ أعمال تشغيل المحطات وصيانة القناة آلاف الوظائف الموسمية والدائمة، من مهندسي ريّ وعمال صيانة وسائقين.
• تحسين مستوى المعيشة: أدّى وصول المياه بشكل منتظم إلى زيادة دخل الأسر الريفية بنسبة تتراوح بين 40 و60% سنويًّا، وتوسّع امتلاك المزارعين للأنظمة الميكانيكية الزراعية.
• التعليم والتوعية: نظمت مديريات الزراعة في التعاون مع وزارة الريّ ورش عمل لتدريب المزارعين على أساليب الريّ الحديث المتكامل، ما حسّن ممارسات الزراعة والحفاظ على موارد المياه.

القضايا البيئية وإدارة الموارد

رغم الفوائد العديدة، تبرز تحديات بيئية:

• التملح ومياه الصرف: نتيجة الريّ المكثف، ارتفعت ملوحة التربة في بعض المناطق بنسبة 15% خلال العقد الأخير، ما استدعى تطبيق برامج غسيـل (flushing) دورية وتوفير مصادر حلوة للتخفيف.
• التلوث الزراعي: دخول مبيدات وأسمدة في مياه القناة كلما تسرّبت من الحقول، ما يتطلب إنشاء حواجز ترسيب ومصافي نباتية (phytoremediation) على جانبي القناة.
• فقد المياه بالتسرب: بالرغم من صيانة الجوانب، يتراوح فاقد المياه بالتسرب ما بين 15 و20% سنويًّا، ويُخطط لتبطين أجزاء مهمة من القناة بطبقة خرسانية لتقليل الهدر.

التطويرات المستقبلية

ضمن استراتيجية الدولة لإدارة المياه، تشمل مشاريع تطوير قناة أبو حماد–الزقازيق:

• نظام تحكم ذكيّ (SCADA): ربط محطات الضخّ والحواجز بنظام مراقبة مركزي يتيح التنبؤ بكمية المياه وضغط الأنابيب وتنبيه فريق الصيانة عند أي سوء تشغيل.
• توسيع القنوات الفرعية: مدّ قنوات ثانوية تصل إلى 5 آلاف فدان جديدة، معظمها للمزارع الحديثة المنتجة للخضر والغلال.
• استخدام الطاقة الشمسية: تشغيل محطات الضخّ بالطاقة الشمسية لتقليل فاتورة الكهرباء وخفض البصمة الكربونية.
• إعادة التأهيل البيئي: تطوير جنبات القناة لتكون متنزهات وزراعات شجيرية للتحكم في التعرية وامتصاص الملوثات.

تحديات مستمرة

رغم الخطط الطموحة، يستمر العمل على:

• مواجهة التغير المناخي وانخفاض الهطول في المناطق العليا لنهر النيل.
• تعزيز التشريعات المنظمة لاستخدام المياه وضبط مخالفات الإهدار.
• استمرار حملات التوعية وترشيد الاستهلاك بين صغار وكبار المزارعين.

تظل قناة أبو حماد–الزقازيق مثالًا حيًا على قدرة التخطيط الهندسي والتعاون المجتمعي على تحويل موارد محدودت المياه إلى دعامة أساسية للتنمية الزراعية والريفية. ومع استمرار تحديثها وتبني تقنيات الريّ الذكي والبيئي، يُتوقع أن تستمر في إدامة زراعة دلتا مصر، وتعزيز الأمن الغذائي، ورفع مستوى معيشة سكان محافظة الشرقية لسنوات طويلة قادمة.